بعض البيوت أو الكثير منها يعلن حالة الطوارئ أيام الإمتحانات وما يسبقها من أيام قد تصل شهرين أو ثلاثة أو تمتد إلى العام كله، عندما يكون لديها طالب سيؤدي الإمتحان في شهادة تؤهله للدراسة الجامعية.. ويغالي البعض في ذلك وقد يرفعون أجهزة التليفزيون من المنزل ويمنعون حتى الحديث بين أفراد الأسرة في غير وقت الطعام أو للضرورة القصوى، حتى المكالمات الهاتفية تُختصر لأقصى درجة، وتختفي الزيارات العائلية أو زيارات الأصدقاء، بل إن تلك الزيارات قد تقابل بعدم اللياقة عند هؤلاء.
¤ توترات زوجية:
ومن آثار هذا المناخ الأسري شديد التوتر أن العلاقة بين الزوجين تأخذ في التوتر هي الأخرى، فالأب يريد الابن أو الابنة أن يذاكرا عدد ساعات أطول والأم تشفق وتتدخل فيصرخ الأب فترد الأم وتدافع، أو أحيانًا يحدث العكس، فتواكب الأم الأولاد طيلة اليوم في شَدٍّ وجذب في حين يأتي الأب فيريد أن يجلس مع أولاده، فتقول أنه لا وقت لديهم وأنه يدلِّلُهم، ومرة أخرى تنشب المنازعات التي قد تثير مشاكل بين الزوجين تصل أحيانًا للهجر في الفراش، وهكذا تتحول أيام الامتحانات لأيام نكد في الحياة الزوجية.
■ ماذا نفعل في أولادنا؟!
ويبقى السؤال..كيف ينعكس هذا التوتر الزوجي على الحياة الأسرية؟
الدكتور محمود عبدالرحمن حمودة أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر يرى أن تهيئة الجو الأسري في مرحلة ما قبل الإمتحان يتطلب توازنًا صعبًا في الأمور الحياتية والترفيهية والدراسية وضبط للعلاقات وفصل التعامل مع الأبناء وإستذكارهم عن العلاقة الزوجية الخاصة حتى لا تكون فترة الإمتحانات موسم للنزاعات الزوجية.
وينبغي أن يكون هذا التوازن والفصل في الأسرة مبنيًّا على أساس أن الطالب أو الابن يجب أن يعرف مسئولياته ويتعلم كيف يقوم بها في إعتدال، وأن الابن أو الابنة هو المفضل لدى الأسرة وليست الشهادة أفضل منه، حيث إن بعض الأسر قد تخطئ بإصرارها وحرصها الشديد على المذاكرة فتُوَصِّل لإبنها الطالب رسالة مؤداها أن الشهادة ودرجات النجاح أهم منه، حينئذ يكون موقف الطالب إما كراهية المذاكرة ورفضها وعدم الإهتمام بما عليه من واجبات دراسية، أو يكون موقفه هو الخوف الشديد من المذاكرة ويصاب بالإحباط وعدم تحمل الجلوس إلى الكتاب فنراه يستمتع ويحصل -أي يفهم- ما يقرأه عندما يمسك بإحدى المجلات بينما يصيبه الإرتباط والتوتر والصداع وقلة التركيز عندما يمسك بالكتاب المدرسي، وهنا خطأ الأسرة بل قد يصل إلى دائرة المرض سواءً كان هذا المرض بأعراض جسدية أم بأعراض نفسية، وقد يدفع به هذا الصراع إلى إرتكاب أخطر ما يمكن أن يصل إليه إنسان وهو الإنتحار، كما قرأنا عن بعض الحالات في الصحف، ومن ذلك يتضح أن موقف الأسرة من المذاكرة ومن توجيه أبنائها وتحفيزهم للدراسة في غاية الخطورة، حيث يترتب عليه نتائج خطيرة قد لا تقف عند المستقبل الدراسي، ولكن تصيب حياة الطالب في مقتل.
■ ونسأل الدكتور محمود: لكن كيف يمكن للأسرة أن تحقق هذا التوازن؟
= يجيب: المفروض أن تكون الحياة في الأسرة متوازنة فليُعْطَ التشجيع على المذاكرة في نفس الوقت الذي يتاح فيه للزوجين والأبناء أن يمارسا أمورهم الحياتية بشكل فيه درجة من الراحة والطمأنينة، فيُسْمَح للطالب وللزوجين بنوم ساعات كافية لراحته البدنية والذهنية، كما يسمح للأسرة بأن تتناول طعامها في هدوء وتتجاذب أطراف الحديث في وُدٍّ ورحمة، وأن يستريح الطالب من المذاكرة كلما شعر بالإجهاد.
ومن المفروض أن يكون هناك ترفيه جماعي أسري في صورة يومية ربما يصل إلى ساعة أو أقل خلال اليوم يجدد فيه الطالب نشاطه ويخرج من دوامة الاستذكار إلى عالم الترفيه ويرتاح فيها الزوجين من متابعة الطالب والجدل حول مذاكرته، مثل أن تخرج الأسرة للتنزه في مكان مفتوح.
وهناك ترفيه أسبوعي يمتد من نصف يوم إلى يوم كامل كل أسبوع يُغَيِّر فيه الطالب -وكذلك الوالدان- ممارساتهم اليومية وروتين الحياة الذي مع نهاية الأسبوع يكون قد وصل بهم إلى حالة من الملل والرتابة، ولذا فهذا اليوم الترفيهي يجدد النشاط ويشحذ العلاقات داخل الأسرة، وبين الزوجين، بشحنة جديدة.
ويجب أن يدرك الزوجين أن إستقامة العلاقة بينهما تنعكس على روح الأسرة برمتها، وأن تلك الأيام بخيرها وشرها ستمضي ولكن العلاقة الزوجية هي الباقية، ومناخ التفاهم في الأسرة يجب المحافظة عليه في ظل..عواصف الإمتحانات.
الكاتب: عبير صلاح الدين.
المصدر: موقع المختار الإسلامي.